هو خالد بن الوليد بن المغيرة، ينتهي نسبه إلى مرة بن كعب بن لؤي الجد السابع للنبي .
في صغره أرسل إلى الصحراء وفقاً لعادات العرب في ذلك الوقت ، لينشأ تنشأة صحيحة في قلب الصحراء ، وعاد وهو في السادسة من عمره إلى والديه ، أصيب في طفولته بالجدري ، وقد تركت عدداً من الندوب على خده الأيسر ، كان فارساً منذ نعومة أظفاره ، ليفوق أقرانه في هذا المجال ، تميز خالد بالإقدام والشجاعة والجلد ، وخفة الحركة في عملية الكر والفر ، ليصبح من أفضل فرسان عصره.
صفاته الجسدية كان رجلاً طويلاً ممتلئ الجسم ، بشرته تميل إلى البياض ، وكان شديد الشبه بالخليفة عمر بن الخطاب ، حتى أن ضعاف النظر كانوا يخلطون بين الرجلين . خلق وصفات خالد بن الوليدخالد بن الوليد من أعظم القادة المسلمين في التاريخ ، كان شجاعاً مقداماً فأطلق عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- لقب "سيف الله المسلول" ، كان سياسياً محنكاً وذكياً ، وقائداً جسورأ قاد العديد من الجيوش في عددٍ من المعارك والغزوات ، وقام بفتح الشام والعراق ، وقاد الجيوش في حروب الردة ، ومن ما تميز به هذا القائد الفذ الجسور بأنه أحد القادة القلائل الذين لم يشهدوا خسارةً في معركة طوال حياتهم ، رغم تفوق العديد من الجيوش الذين قام بالتصدي لهم على جيشه كجيوش الرومان والفرس وعددٍ من القبائل العربية ، ليتجاوز عدد تلك المعارك التي انتصر فيها المائة معركة .
خالد بن الوليد قبل الإسلامكان خالد بن الوليد ناقمًا على النبي العدنان والمسلمين الذين آمنوا به وناصروه ، كغيره من أبناء قريش معاديًا للإسلام، بالإضافة إلى أنه كان شديد العداوة لهم، شديد التحامل عليهم، و كان حريصًا على محاربة الإسلام والمسلمين، حيث كان له الدور الأكبر في هزيمة المسلمين قبل إسلامه في معركة أحد ، عندما تنبه إلى مغادرة الرماة لجمع الغنائم ، فقام بإصدار أوامره لتطويق المسلمين ، وأنزل بهم خسارة كبيرة بعد تحقيقهم للنصر في بداية المعركة ، وكان في غزوة الخندق ضمن صفوف الأحزاب بالإضافة إلى أنه و بالاشتراك مع عمرو بن العاص تولّوا تأمين مؤخرة الجيش في مئتي فارس، خوفًا من أن يتعقبهم المسلمون، بالإضافة إلى أنه كان على رأس فرسان قريش الذين حاولوا أن يحولوا بين المسلمين ومكة في غزوة الحديبية.
إسلام خالد بن الوليدفي عمرة القضاء قال النبي للوليد بن الوليد أخيه: "لو جاء خالد بن الوليد لقدّمناه". فكتب "الوليد" إلى "خالد" يرغِّبه في الإسلام، ويخبره بما قاله رسول الله فيه، فجاء الكلام عل هوى خالد بن الوليد و أعلن إسلامه، وقد سُرَّ النبي بإسلام خالد بن الوليد، وقال له حينما أقبل عليه: "الحمد لله الذي هداك، قد كنت أرى لك عقلاً رجوت ألاَّ يسلمك إلا إلى خير".
أسلم خالد بن الوليد في (صفر 8هـ/ يونيو 629م)، أي قبل فتح مكة بستة أشهر فقط، وقبل غزوة مؤتة بنحو شهرين.وشارك بعدها في الفتوحات الإسلامية ، والمشاركة في حملات المسلمين إلى جانب الرسول الكريم ، كـغزوة مؤتة وفتح مكة ، قام الخليفة عمر بن الخطاب بعزله عن قيادة الجيوش ، خوفاً من إفتتان الناس به ، فأصبح تابعاً لجيش الصحابي إبن الجراح ، ومن ثم إنتقل للإقامة في حمص إلى أن وافته المنية على فراش المرض .
شجاعة خالد بن الوليد في غزوة مؤتةأرسل النبي سرية الأمراء إلى "مؤتة" للقصاص من قتلة "الحارث بن عمير رسولِهِ إلى صاحب بُصْرَى. وجعل النبي على هذا الجيش زيد بن حارثة، ومن بعده جعفر بن أبي طالب، ثم عبد الله بن رواحة رضي الله عنهم جميعًا، فلما التقى المسلمون بجموع الروم، استشهد القادة الثلاثة الذين عيَّنهم النبي ، وأصبح المسلمون بلا قائد، فاختاروا خالد بن الوليد لأن موقفهم أصبح حرجًا.
أعاد خالد بن الوليد تنظيم صفوف المسلمين بحنكته ومهارته ، كما أعاد الثقة إلى نفوسهم. اندفع خالد بن الوليد إلى صفوف العدو يُقاتل فيهم حتى تكسرت في يده تسعة أسياف، و عند حلول الليل غيَّر خالد بن الوليد نظام جيشه، فجعل مقدمته مؤخرته، ووضع من بالمؤخرة في المقدمة، وكذلك فعل بالميمنة والميسرة، وأمرهم يثيروا الغبار حتى يتَوّهم جيش الروم أن هناك مدد قدم، ولهذا قد تسهّل على خالد بن الوليد مهمة الانسحاب بأمان لأن الروم لم يجرؤوا على مطاردة المسلمين؛، وقد اعتبر رسول الله ذلك فتحًا من الله على يد خالد بن الوليد. في قتال أعداء الله ولّى الرسول صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد على إمارة عدد كبير من السرايا وذلك بسبب حظيه بثقة النبي كما وجعله على مقدمة جيش المسلمين في العديد من الغزوات ؛ ففي "غزوة حنين" كان خالد بن الوليد على مقدمة خيل "بني سليم" في نحو مائة فارس، خرجوا لقتال قبيلة "هوازن" في شوال 8هـ ، قاتل بشجاعة، وبقي ثابتاً في المعركة بعد أن فرَّ من كان معه من بني سليم، وبقي يقاتل ببسالة وبطولة حتى أثخنته الجراح البليغة،و هذه الجراح البليغة لم تمنع خالدًا أن يكون على رأس جيش المسلمين حينما خرج إلى الطائف لحرب "ثقيف" و"هوازن". و في السنة 9هـ بعث النبي خالد بن الوليد إلى "بني المصطلق" ؛ بعدما بلغه أنهم ارتدوا عن الإسلام، ليقف على حقيقة أمرهم، فأتاهم خالد بن الوليد ليلاً، وبعث عيونه إليهم، فعلم أنهم على إسلامهم، فعاد إلى النبي ، فأخبره بخبرهم. في قتال المرتدين بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- هناك منهم من ادَّعى النبوة، ومنهم هناك من تمرد على الإسلام ومنع الزكاة، وهناك من ارتدَّ عن الإسلام، وقد وقع اضطراب كبير، واشتعلت الفتنة وزكّى نيرانها كثير من أعداء الإسلام . فشارك في قتال المرتدين بكل شجاعة و حزم وبنصيب وافر في التصدي لهذه الفتنة والقضاء عليها وكان ذلك في عهد أبي بكر الصديق.ازدادت فتنة و خطر طليحة بن خويلد الأسدي بعد وفاة النبي والتف الكثير من القبائل حوله،فاستطاع خالد أن يُلحِق بطليحة وجيشه هزيمة منكرة، وبعد ذلك فرَّ "طليحة" على إثرها إلى الشام، ثم أسلم وحسن إسلامه.
في القضاء على فتنة مسيلمة الكذاب أرسل أبو بكرالصديق عكرمة بن أبي جهل لقتال مسيلمة، ولكنه هزم، فأرسل بعده شرحبيل بن حسنة و هزموا مرةً ثانية؛ مما وزاد المصيبة ثقلاً على المسلمين و رفع من الروح المعنوية لأتباع "مُسَيْلمة الكذَّاب"، وتعاظمت ثقتهم بالنصر، فقام أبو بكر الصديق بإرسال خالد بن الوليد إليهم.التقى الجمعان بـ"عقرباء"، ودارت معركة عنيفة بين الجانبين، قاد مسيلمة جيشه الذي يزيد على الأربعين ألف مقاتل لمجابهة خالد الذي لم يكن جيشه يزيد على ثلاثة عشر ألف مجاهد في سبيل الله، دارت معركة عنيفة، وازدادت أعداد القتلى، وثبت "مسيلمة" رغم كثرة أعداد القتلى من جيشه، وأدرك خالد بن الوليد أنه لن ينتهي القتال إلا بقتل " مسيلمة "، فدنا من "مسيلمة" فأرهقه بالقتال وأدبر، ونادى مسيلمة في قومه: الحديقةَ الحديقةَ؛ فدخلوا (حديقة الموت) وأغلقوها عليهم، وأحاط المسلمون بهم، فصرخ البراء بن مالك قائلاً:" يا معشر المسلمين، احملوني على الجدار اقتحم عليهم". فحملوه، وقاتلهم على الباب حتى تمكن من فتحه للمسلمين، فدخلوا، وقاتلوا قتالاً شديدًا، وأتى وحشيّ بن حرب فهجم على مسيلمة بحربته، وضربه رجل من الأنصار بسيفه، فقُتل. وهكذا انتهت المعركة بهزيمة "بني حنيفة" ومقتل "مسيلمة"، وقد استشهد في تلك الحرب عدد كبير من المسلمين بلغ أكثر من ثلاثمائة وستين من المهاجرين والأنصار.
في فتوحات العراق بعد أن قضى أبو بكر الصديق على فتنة الردة ، توجه أبو بكرالصّدّيق مع بدايات عام 12هــ إلى العراق لتأمين حدود الدولة الإسلامية، وكسر شوكة الفرس المتربصين بالإسلام.كان المثنى بن حارثة يقاتل في العراق عندما كانت جيوش المسلمين تحارب المرتدين، وبعد الانتهاء من قتال المرتدين بقيادة خالد بن الوليد ، أصدرأبو بكر الصديق أوامره لخالد بن الوليد وعياض بن غنم -رضي الله عنهما- بالتوجه إلى العراق، فتوجه خالد بن الوليد إلى العراق، وحقق عددًا من الانتصارات على الفرس في "الأُبُلَّة" و"المذار" و"الولجة" و"أُلَّيْس"، وواصل تقدمه نحو "الحيرة" ففتحها بعد أن صالحه أهلها على الجزية.
واصل خالد بن الوليد في فتوحاته حتى فتح جانبًا كبيرًا من العراق، ثم قصد "الأنبار" ليفتحها، لكن تفاجأ بأن أهلها قاموا بتحصينها ، فقد قاموا بحفر خندق عظيم حولها يصعب اجتيازه، فأمر خالد بن الوليد جنوده برمي جنود الأنبار المتحصنين بالسهام في عيونهم،ثم نحرالإبل الضعاف والهزيلة و رمى بها في أضيق جانب من الخندق، حتى صنع جسرًا استطاع العبور عليه هو وفرسان المسلمين تحت عدد كبير جدا من السهام الذين أطلقهم رماة جيشه لحمايتهم من الأعداء المتربصين بهم من فوق أسوار الحصن العالية المنيعة. فلما رأى قائد الفرس ما صنع خالد بن الوليد وجنوده، استسلم و طلب الصلح، وأصبحت الأنباربعد ذلك في قبضة المسلمين.
في الغيرة على دين اللهعن أبي سعيد الخدري قال: بعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها. قال:" فقسمها بين أربعة نفر بين عيينة بن بدر وأقرع بن حابس وزيد الخيل، والرابع إما علقمة وإما عامر بن الطفيل؛ فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء. قال: فبلغ ذلك النبي ، فقال: "ألا تأمنونني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحًا ومساء".
قال: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كثّ اللحية، محلوق الرأس مشمر الإزار فقال: يا رسول الله، اتقِ الله. قال: "ويلك! أوَ لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟!"
قال: ثم ولَّى الرجل، قال خالد بن الوليد: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ قال: "لا، لعله أن يكون يصلي". فقال خالد بن الوليد : وكم من مصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه. قال رسول الله : "إني لم أُومَرْ أن أنقب قلوب الناس ولا أشق بطونهم". قال: ثم نظر إليه وهو مُقَفٍّ فقال: "إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبًا لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية".
وفاة خالد بن الوليدكان خالد يتمنى بأن يموت شهيداً في ساحة المعركة ، وفي أيامه الأخيرة وبعد أن شعر بدنو أجله قال كلماته الشهيرة : " لقد شهدت مائة زحفٍ أو زهاءها ، وما في بدني موضع شبر إلا وفيه ضربةً بسيف ، أو رميةً بسهم ، أو طعنةً برمح ، وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي ، كما يموت البعير ، فلا نامت أعين الجبناء " .
و لما حضرته الوفاة قال: "لقد طلبت القتل فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي، وما من عمل أرجى من لا إله إلا الله وأنا متتَرِّس بها". ثم قال: "إذا أنا مت فانظروا سلاحي وفرسي، فاجعلوه عُدَّة في سبيل الله". وقد تُوفِّي خالد بن الوليد بحمص في 18 من رمضان 21هـ. وعندما تلقى المسلمين نبأ وفاة خالد حزنوا لفراقه حزناً شديداً وكان الخليفة عمر بن الخطاب من أشد المسلمين حزناً لوفاته ، حتى أنه لم يستطع أن يمنع الناس من بكائهم عليه ، وردد ( على مثل أبا سليمان تبكي البواكي ) .المقالات المتعلقة بشجاعة خالد بن الوليد